الأحد، 20 نوفمبر 2016

إستراتيجية مواكبة الاقتصاد العالمي في السودان!

نجح السودان في غضون ايام قلائل، وهي الايام القليلة الفائتة، في شهر نوفمبر الجاري في العبور باقتصاده عبر نقلة استراتيجية نوعية ضخمة. صحيح ان الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السودانية قفزت ببعض اسعار السلع الأساسية والخدمات،
صحيح انها ألقت بظلال سالبة على مجمل الأوضاع المعيشية في هذا البلد ولكن من الناحية الاستراتيجية فإن السودان في واقع الأمر عالج داء اقتصادي قديم ظل لعقد ممسكاً بخناق هذا البلد المثخن بجراح الحروب العبثية والمدفوعة الآجر والعقوبات الاقتصادية الظالمة غير المبررة والتقارير ذات الطبيعة التآمرية التى ظلت منظمات بعينها تلاحقه بها باستمرار.
وإذا أردنا في هذا المنحى تعداد النتائج الايجابية ذات الطابع الاستراتيجي التى حققها السودان باتخاذه لهذه الحزم الاقتصادية فهي كثيرة جداً ولكن كلها تنضوي تحت بند استراتيجي كبير وهو أن السودان بالفعل بات لديه الآن (اقتصادي حقيقي وواقعي) .
وحين نقول اقتصاد حقيقي وواقعي فإن مدلول العبارة يرتكز على: 1/ اقتصاد يتعامل مع حقائق واقع (سعر الصرف الحقيقي، معدل نمو طبيعي، تضخم متراجع). 2/ اقتصاد لديه القابلية لكي يتطور الى الأفضل، فالسعر الحقيقي للعملة مقابل العملات الأجنبية والحوافز المشجعة التى يمنحها البنك المركزي لديها القدرة لتحويل المفهوم الخاطئ السابق عن وجود (أكثر من سعر للعملة الوطنية) الى مفهوم واقعي يتيح للمتعاملين في مجال الاستيراد والتصدير والمستثمرين التعامل بشعور غامر بالاستقرار.
والواقع اذا جاز لنا ان نستخلص نتيجة مهمة هنا فهي ان الاقتصاد السوداني صارت لديه قابلية الاستقرار أكثر من أي وقت مضى، إذ أن مواكبة اقتصاد العالم والتفاعل معها يعطي أي متعامل في هذا المجال شعوراً بالاستقرار.
 4/ المعالجة  نفسها ونقصد بها الحزم المتخذة من قبل وزارة المالية تحرر الموازنة العامة للدولة، على الأقل للعام المقبل 2017 من بعض التشوهات التى ظلت تعيق تقديم البلاد ذلك إن ازدواجية سعر الصرف وتخصيص مال لاستيراد بعض الاحتياجات الضرورية بسعر صرف مختلف، ظل أمراً مدمراً لمسيرة الموازنة العامة، فالأموال المرصودة سرعان ما تتحول إلى معاول هدم وتدمر الموازنة، لأنها لا تقوم على أرقام وحقائق واقعية.
ومن الجانب الآخر فإن السودان في ما يخص العاملين بالخارج أو ما يعرف بـ(شريحة المغتربين) يؤسس لسياسة جديدة عظيمة الفائدة لأنه: أولاً، يتيح للمغتربين تحويل مدخراتهم إلى الداخل للاستفادة منها وطنياً، سواء لصالح اقتصاد الدولة، أو لصالح الشخص نفسه.
ثانياً، يعمل على تشجع الاستثمار الوطني من قبل المغتربين داخل بلاده، إذا يكفي أن يضمن الشخص ان أمواله بالعملة الأجنبية ستظل -داخل بلاده- بذات قيمتها الحقيقية وتواكب الدورة الاقتصادية العالمية. ففي السابق كانت المشكلة ان السودان يتعامل معها بطريقة فيها ازدواجية وهو ما عرف اصطلاحاً بدعم السلع والخدمات؛ هذا الدعم يؤثر وعلى نحو مباشر على القيمة الحقيقية للعملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية وكان ولا يزال يتسبب في عجز الموازنة العامة.
الآن الأمر اصبح متساوياً وهو ما يجعل من اي عامل في الخارج يتمتع بميزة الاحتفاظ بأمواله داخل الدورة الاقتصادية الوطنية وهو مطمئن إلى أنها لن تتأثر، بل على العكس ربما تصبح أفضل بفعل حركة الاقتصاد العالمي. أما فيما يخص الجانب الاقليمي والدولي فإن السودان بعد انجازه لهذه الاجراءات الاقتصادية أصبحت لديه قوة ذاتية لإدارة اقتصاد مفعم بالموارد كيف ذلك؟ لقد أدى خروج النفط من الموازنة العامة عقب الانفصال الجنوب 2011 إلى اختلال في الموازنة العامة، خاصة في جانب الإيرادات.
هذا الاختلال لم يتسن معالجته حتى مع وجود موارد أخرى مستحدثة كالذهب و الزراعة والموارد الأخرى الآن مع اتخاذ هذه الإجراءات فإن عمليات التبادل التجاري اقليمياً ودولياً هي نفسها ستصبح موارداً إضافية للدولة، لأنها -كما أسلفنا- تأخذ ذات الشكل الذى تأخذه دورة الاقتصاد فى الاقليم والمنطقة و حول العالم فما يشتريه السودان من الاقليم أو النطاق الدولي سيكون بمال حقيقي موازي للمال المحلي ولن يجد مشكلة في الفارق وما يصدره يفيد به عملية الصادر لان الصادر يجني أموالاً موازية أيضاً للمال محلياً.
مجمل القول اذن ان النقلة التى أحدثها السودان في اقتصاده هي نقل تاريخية ويمكن ان نطلق عليها بامتياز إستراتيجية مواكبة الاقتصاد العالمي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق