السبت، 21 يناير 2017

الدور الإفريقي الحاضر

تطرقنا بالأمس الى ملامح طفيفة حول الدور الأبرز  لإفريقيا في مساندة السودان والوقوف معه في مواجهة الحصار والعقوبات الأحادية الأمريكية التي رُفعت مؤخراً، وقلنا إن الشائك في العلاقات الإفريقية هو التداخل السياسي والأمني فيها بشكل واضح، حيث تلعب الجيوش وأجهزة المخابرات دوراً محورياً في القرار السياسي مع العلم أن أغلب الرؤساء الأفارقة جاءوا من رحم المؤسسات العسكرية في بلدانهم، وتتشابه ظروف تقلدهم الحكم رغم المسحة الديمقراطية التي توضع بعد ذلك على وجه الأنظمة والحكومات في القارة السمراء ، وهذا سهَّل الكثير من التفاهمات وجعل الظروف المتشابهة سياسياً واقتصادياً والأوضاع الداخلية للبلدان الإفريقية ، تقرب المسافات لتشارك الهموم والأفكار .
ومعلوم أنه منذ أن ورثت الولايات المتحدة عقب الحرب العالمية الثانية ،الإرث البريطاني في مستعمراتها القديمة ، وصارت ذات سطوة في القرار العالمي ، اهتمت بإفريقيا وبلدانها ، ولم تنجرد السنوات العشرين الأواخر من القرن العشرين ، حتى كانت واشنطن هي المحجة الإفريقية لحكومات القارة وفق تصنيفها الأنجلوفوني والفرانكفوني دعك عن العربفون وبقية الألسنة الجارية على ألسنة الإفريقيين ولم يقتصر التواجد الأمريكي على النفوذ السياسي والاقتصادي والمساعدات التي تقدمها ، إنما تخطى ذلك بقيام قوة أمريكية مخصصة لإفريقيا ترعى مصالحها وهي (الأفريكوم) واتخذت لها قيادة في القارة بجانب العديد من القواعد في شرق إفريقيا وغربها وشمالها وجنوبها ، وهذه الفترة نفسها التي بدا فيها النفوذ الفرنسي يتضعضع ويبرز الحديث عن التنافس الأمريكي الفرنسي ، بينما كان التنين الصيني ولهب النفط يخرج من جوفه يتمدد في القارة من أدناها الى أقصاها ، مضيفاً للتنافس المحموم حول القارة من أطراف عدة بعداً آخر .
مع أن الأقطار الإفريقية بدأت تصحو وتؤسس يقظتها وانتباهتها على مصالح ومنافع حقيقية وشعور متزايد بالذات والتضامن فإن اختفاء ما يسمى بالسلة الأمريكية التي كانت بمثابة الوعاء الحاضن للقادة الموالين لواشنطن ، سهل من صعود تيارات ذات استقلالية لا بأس بها في القرار السياسي الإفريقي، ومع ذلك ظل التأثير الأمريكي في معادلات السلطة قائماً لا يمكن تخطيه .
ومن هنا لابد من الإشارة الى أن شبكة المصالح الأمريكية وإستراتيجيتها ومفهومها لموقع إفريقيا في منظومة الأمن القومي الأمريكي حاضرة بقوة دائماً في معادلات الشأن الإفريقي برمته ، الى درجة أنه لا يمكن الفصل بين مصالح الكثير من الأنظمة الإفريقية ووجودها وبقائها والمصالح الحيوية الأمريكية ، وبين بقاء دول محمية وصلدة وتقاربات أدوارها بدرجات متفاوتة من المصلحة العليا الأمريكية بما يسهل في كثير من الأحيان التفاهم بينها وواشنطن التي كانت تستمع لكثير من القادة الأفارقة وتأخذ برأيهم وتهتم بقراءاتهم للواقع المعقد في القارة وتداخلاته .
وبما أن السودان كان دولة مارقة بالنسبة للأمريكيين طيلة السنوات السبع وعشرين الماضية ، إلا أنه لم يغب يوماً عن مجادلات الساسة الأفارقة مع كبراء القرار السياسي الأمريكي ، بل أن بعضاً منهم من أصدقاء واشنطن سعى الى وضع صورة السودان الحقيقية أمام البيت الأبيض في مختلف عهوده وبذل مجهودات للحيلولة دون انزلاق العداء الأمريكي للسودان الى ما هو أفدح في خواتيمه .
مقابل ذلك كان السودان بدوره يحصد ثمار قراءاته الجيدة للأوضاع مع إفريقيا ، مستثمراً دوره التاريخي الذي لعبه أيام النضال الإفريقي وحركات التحرر ، مستفيداً من حيويته وإيجابيته ومبادراته في التعاطي والتعامل مع القضايا المهمة في القارة بشكل فعال ، ومن أهم ما واجهته و وجدته الولايات المتحدة شاخصاً أمامها واصطدمت به هو العمق المتجذر للسودان في تركيبة القارة الإفريقية والعمل المشترك بين بلدانها ، وتبدي ذلك في تضامن الأفارقة مع السودان ودعمهم للسلام بعد بدء مفاوضات نيفاشا لحل أزمة الجنوب، وقضية دارفور التي تصاعدت منذ العام 2003م ، ثم الملف الأهم هو ملف المحكمة الجنائية الدولية التي تتهم ستة عشر إفريقياً من القادة والشخصيات المهمة وهم كل متهمي المحكمة التي شعر الأفارقة أنها موجهة ضدهم وصورة من صور القهر والاستعباد والاستعمار للإفريقيين .
ومن الملفات المهمة التي جعلت الولايات المتحدة تعيد ترتيب نظرتها نحو السودان ويأتي في المرتبة الثانية لملف الإرهاب ومحاربته في القرن الإفريقي وشمال القارة وغربها ، هو الفاعلية والحيوية الفائقة لمشاركة السودان في القوة العسكرية للتدخل السريع في دول شرق إفريقيا وهي القوة التي تكونت من عدة بلدان في شرق إفريقيا وتشارك فيها جنوب إفريقيا لمحاربة المجموعات السالبة والحركات المتمردة وتسعى الى إعادة الأمور الى طبيعتها في شرق الكونغو وأسهمت بشكل ما في ضبط مجريات الأمور في بورندي وفي مطاردة جيش الرب ، والسودان بوجوده في هذه القوة وإيفائه بالتزاماته المالية والفنية فيها، بجانب وجود منظمة إقليمية أخرى لأجهزة المخابرات السيسا ، جعل آذان أمريكا تصغي للقادة الأفارقة ثم جعلها تأتي بنفسها لتستمع بشكل ثنائي للسودان وتتفاهم وتتفاوض معه حتى تم رفع العقوبات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق