السبت، 27 ديسمبر 2014

الموازنة العامة للعام 2015.. ما وراء الأرقام!

أودعت الحكومة السودانية الأسبوع الماضي منضدة البرلمان، الموازنة العامة للدولة للعام2015 والقوانين المصاحبة لها وشرع البرلمان فى جلسات متتابعة فى مناقشتها توطئة لإجازتها لتدخل حيز التنفيذ مطلع العام المقبل.
وبنظرة عامة لمؤشرات العام المقبل ووفقاً لتصريحات وزير المالية السوداني بدر الدين محمود فإن أهم ما بدا واضحاً على مشروع الموازنة: أنها لم تفرض ضرائباً جديدة من أي نوع، وهذه في الواقع نقطة محورية ذات أهمية قصوى، ذلك إن فرض ضرائب جديدة -باعتباره حلاً سهلاً- يلقي بالمقابل بتبعات جانبية خطيرة أقلها زيادة أسعار السلع ورفع نسبة التضخم.
ولهذا يشير بعض الخبراء الاقتصاديين إلى أن عدم فرض ضرائب جديدة يتيح من جانب آخر توسيع مظلة التحصيل الضريبي بحيث تحصل الدولة على ممولين جدد بدلاً من أن تفرض ضرائباً جديدة وهذا تطور من شأنه أن يرفع من الإيرادات العامة ومن ثم يسهم في دعم الموازنة العامة.
المؤشر الثاني: الاستمرار فى دعم المواد البترولية والقمح؛ وهذه أيضاً تقابله أقاويل عن نية الحكومة رفع الدعم عن السلع الأساسية وتطبيق الحزمة الثانية من حزم رفع الدعم التي ظل البعض يروجون لها طوال العام المنصرم 2014 باعتبارها أيضاً من الحلول السهلة، ويظهر هذا المؤشر فى الموازنة العامة فهذا يعني
على الأقل أن العام المقبل 2015 لن يشهد حتى انتهائه قرار برفع الدعم عن المحروقات.
المؤشر الثالث أن سياسة تثبيت قيمة العملة الأجنبية ستمضي بذات الوتيرة السابقة التي نجحت في خفض قيمة العملة الأجنبية حيال الجنيه. وزير المالية قال إن سعر صرف العملات الأجنبية قد تحسن تدريجياً وهذا ما يدفعه للاعتقاد أن تقليص الفجوة بين الجنيه والعملات الأجنبية سوف يصل  فقط إلى 30% فى الموازنة الجديدة.
المؤشر الرابع، أشار وزير المالية إلى أنه يتوقع أن تحقق الموازنة الجديدة معدل نمو يبلغ 7% خاصة إذا نجح السودان فى إنجاح الموسم الزراعي الشتوي. وعلى ذلك فإن موازنة العامة 2015 وإن بدت كموازنة طموحة إلا أنها في الواقع تستصحب قدراً كبيراً من حقائق الواقع، فقد حوت الموازنة تحديد 60 ألف وظيفة للخريجين، فى إطار سعي الدولة لمحاربة البطالة، كما لم تغفل الموازنة اهتمام الدولة بسداد الديون الخارجية لا سيما الحرجة منها.
كما اقر الوزير بمراجعة إلتزامات الدولة المالية حيال تكلفة الاستحقاق الانتخابي المقرر له من العام ابريل 2015 ودعم البرامج البحثية ومشروعات التقانة وتمويل الطرق والسكة حديد وكهربة المشاريع الزراعية ومنع الصرف خارج الموازنة . كل هذه المؤشرات والحقائق التي حوتها موازنة العام 2015 تعطي تأكيد واضح على أن الطريقة التي تتبعها الحكومة السودانية فى إدارة الشأن الاقتصادي -اتفقنا أو اختلفنا معها- هي على أية حال طريقة يمكن وصفها بأنها شفافة وواقعية في بلد يعج بالخبراء الاقتصاديين الذين بإمكانهم الوقوف على هذه الحقائق بسهولة وانتقادها.
وهي -أيضاً- طريقة مشابهة تماماً لتقرير المرجع العام الذي يراقب عن كثب الأداء المالي السنوي لأجهزة ومؤسسات الدولة حيث تحرص الحكومة السودانية فى كل نهاية عام مالي على إتاحة الفرصة للمراجع العام -من على منضدة البرلمان- لإعطاء صورة شاملة ودقيقة لأحوال التعامل المالي لأجهزة الدولة؛ ويجيء التقرير عادة محتوياً على المخالفات والأخطاء المالية بشفافية عالية مع أن بإمكان الحكومة -إن أرادت- أن تأتي بتقرير مراجعة يوافق هواها ولا يتضمن مخالفات!
وبذا يمكن القول إن وضع الموازنة العامة للدولة بذات هذا القدر من الواقعية ونشر تقرير المراجع العام -كما هو- بسالبه وموجبه هما أمران ينبغي أن يجدا الاهتمام الكافي من قبل المراقبين إذ أن معني هذا أن الحكومة السودانية -بغض النظر عن أي شيء- لا تملك ما تخفيه، بل ليس فى نيتها أن تخفي شيئاً، فهي تطرح الأمور على الملأ وتبسطها للتداول العام وهو ما من شأنه أن يؤسس لشفافية اقتصادية وسياسية هي دون شك مطلوبة وبشدة ولفائدة التحول الديمقراطي والممارسة الراشدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق