الاثنين، 27 أكتوبر 2014

بضاعة بائرة يُراد لها بيعها بأغلي من ثمنها!

قال رئيس اللجنة الاقتصادية في البرلمان السوداني سالم الصافي ان بلاده رفضت شروطاً فرضتها دولاً أوربية لم يسمها لتمرير قبول السودان بمنظمة التجارة العالمية. الصافي قال ان الشروط تمثلت في المصادقة عل ميثاق روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية والمصادقة على إتفاقية (سيدوا) المعينة بالقضاء على كافة اشكال التمييز ضد المرأة.
ولعل أول ما يثير الاستغراب فى هذه الشروط انها لا تتعلق بقضايا الاقتصاد والتجارة لا من قريب ولا بعيد. إذ بالإمكان ان يتفهم أي مراقب شروطاً متعلقة بتحسين اداء الاقتصاد السوداني أو الشروع فى خفض الرسوم الجمركية مثلاً، أو السماح بمرور بضائع وسلع فى الغالب لا يستفيد منها السودان اقتصادياً؛ ولكن من الصعب ان يتفهم أي عاقل شروطاً تتعلق بقضايا أخرى مختلفة تماماً.
والأكثر غرابة ان من مصلحة الدول الاوروبية وكافة دول العالم ان يتسع نطاق منظمة التجارة العالمية لأن قضايا التجارة والاقتصاد من القضايا المشتركة التى تعود بالنفع على الجميع، إذ ان الاقتصاد اجمالاً هي قضية تهم البشر على امتداد الكرة الارضية فإن لم تكن تهم الكل لما كانت هناك حاجة الى بناء مؤسسات ومنظمات ذات صيغة دولية.
ولهذا فإن من الطبيعي ان يرفض السودان -دون حتى أدنى تفكير- مجرد طرح اشتراطات غير موضوعية كهذي فالمحكمة الدولية على سبيل المثال لم تحظ بمصادقة الولايات المتحدة، اكبر دولة وأبرز قوة اقتصادية معروفة على نطاق العالم، كما أن المآخذ على محكمة الجنايات الدولية من الضخامة بحيث يصعب على اية دولة ان تقبل بالمصادقة على ميثاقها والمحكمة تعلم بالصورة المثالة حالياً والتى اثارت إمتعاض كافة خبراء القانون فى كل الدنيا.
فالمحكمة الجنائية للأسف الشديد تعمل وفق أطر سياسية لا مثيل لها اذ على سبيل المثال يمسك مجلس الامن الدولي بدفة احالة البلدان التى يرى ملاحقتها -كما فعل مع السودان، وبغض الطرف -عمداً طبعاً- عن دولاً أخرى ليس من مصلحة المجلس ان تجري ملاحقتها على جرائم وانتهاكات واضحة للجميع كما يفعل المجلس بشأن جرائم اسرائيل البشعة فى حربها فى غزة لمرتين متتاليتين للدرجة التى جرت فيها عملية طمس متعمدة للتحقيقات التي أجريت بهذا الصدد بواسطة محقق دولي!
وعلى سبيل الماثل ايضاً فقد تم عقد صفقة فاحت روائحها المزكمة للأنوف مع الرئيس الكيني اوهورو كينياتا قضت بمثوله امامها مقابل تبرئته من الاتهامات الموجهة اليه في سيناريو واضح للمعالم الغرض منه كسر إرادة دول القارة الافريقية الرافضة للتعاون مع المحكمة! أنظر هنا كم هذا المجتمع الغربي يتعامل بخبث ومكر فى قضية عدلية!
أما اتفافية سيدوا وغيرها فهي أمر بطبيعة الحال متروك تقديرها للحكومات الوطنية إذ لا أحد يفرض على دولة قيماً معينة، وليس سراً ان بريطانيا استثنت نفسها بدون ادنى مبرر من التعامل بالعملة الاوروبية الموحدة (اليورو) وأبقت على الجنيه الاسترليني، ومع ذلك لم تمنع من عضوية الاتحاد الاوربي على الرغم من ان موفقها يقدح مباشرة في قضية اقتصادية من الدرجة الاولى تهم دول الاتحاد الاوربي!
إن الامر لا شك فيه مفارقة مثيرة للسخرية إذ ان اقل ما يعنيه هذا الموقف ان الهيمنة الاوربية ما تزال متمسكة بالسيطرة على الآخرين بشتى السبل! وهو نموذج يماثل ذلكم الذي لديه بضاعة بائرة يريد بيعها بأغلي من ثمنها!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق