الثلاثاء، 26 ديسمبر 2017

بين حلايب وتيران وصنافير ومحكمة العدل الدولية

حسناً فعلت وزارة الخارجية السودانية بإعلانها رفض (اتفاقية تعيين الحدود البحرية) المُبرمة بين السعودية ومصر والتي تم توقيعها بتاريخ 8/4/2016.

ولكن هل هذا يكفي؟!
ما حدث من رفض لتلك الاتفاقية يشبه من يأتي البيوت من نوافذها لا من أبوابها وأعجب أن تغفل وزارة الخارجية وربانها الكبير بروف غندور عن الاحتجاج بصورة رسمية لدى الدولتين اللتين تجاهلتا السودان ومضتا إلى إبرام تلك الاتفاقية العدائية وكأنه غير معني بها بالرغم من أنها تستولي على أراضيه في وضح النهار في احتقار غريب لا يقبل به الأحرار.
مما يفري الكبد ويفقع المرارة أن هناك اتفاقية حدود بحرية مبرمة بين السودان والسعودية منذ العام 1974 تعترف فيها السعودية بتبعية الإقليم البحري لمثلث حلايب للسودان، وتمنع تلك الاتفاقية كلاً من الدولتين من الإضرار بالأخرى وتجيز لكل منهما في حال الاختلاف بينهما الاحتكام لمحكمة العدل الدولية فلماذا لم تستخدم حكومتنا ذلك الحق لرفض وإبطال الاتفاق المصري السعودي من خلال رفع الأمر، مرفقاً معه اتفاقية عام 1974 مع السعودية، إلى محكمة العدل الدولية، بل لماذا لم تحتج الحكومة السودانية أولاً لدى السعودية اعتراضاً على إبرامها اتفاقاً مع مصر تمنحها بموجبه اعترافاً بتبعية حلايب للسيادة المصرية من خلال اعتراف السعودية بأيلولة الإقليم البحري لمثلث حلايب إلى مصر؟!
كل ما فعلته وزارة الخارجية أن وزيرها بروف إبراهيم غندور وجه بتاريخ 21 أبريل 2016 رسالة إلى نظيره السعودي عادل الجبير طالباً منه موافاته بنص اتفاق السعودية مع مصر حول ترسيم الحدود البحرية بين الدولتين، ولم يتلق غندور رداً من الجبير حتى الآن وبدلاً من اتباع غندور رسالته تلك بأخرى يحتج بها على إقدام السعودية على تلك الخطوة التي خرقت بها اتفاقية 1974 لم يفعل شيئاً رغم مضي أكثر من عام ونصف منذ رسالته التي لم تتم الاستجابة لها من قبل السعودية!
يشعر الشعب السوداني بغضب أحسه في كل المحافل والأسافير أن مواقفه (المندعرة) التي بذل فيها دماء شبابه مما لم تفعله حتى بعض دول الخليج، لم تقدر بما يكافئها في وقت تهرول بعض دول الخليج نحو مصر رغم أنها لم تبذل معشار ما بذله السودان وليس أدل على ذلك من قطع السودان علاقاته مع إيران التي لطالما ساندته في حروبه مع الحركات المتمردة؟
على كل حال، فإن (خطوات التنظيم) التي اتخذها السودان مؤخراً والتي راجع بها بعض مواقفه السياسية المتطرفة تجد ارتياحاً كبيراً لدى قطاعات واسعة من الشعب السوداني خاصة زيارته لتركيا في إطار مؤتمر التعاون الإسلامي وقبلها زيارته لروسيا وما تمخض عنها من تعاون سياسي وعسكري ثم إعلان السودان تحفّظه على أي حرب تُشَن على إيران التي لا تزال علاقته بها مقطوعة ثم زيارة الرئيس لدولة قطر التي ما خذلته أو تنكرت له في أي يوم من الأيام .. كل ذلك يشي بأن هناك تحولاً في المواقف خاصة بعد التحول الجيوسياسي في سوريا والذي نتج عن التدخل الروسي الداعم للرئيس بشار الأسد.
هكذا هي السياسة، تتحرك على الدوام ولا تستقر على حال وقد رأينا تغير مواقف دول كثيرة مثل تركيا بعد التحول في موازين القوى في سوريا لمصلحة بشار الأسد، ولذلك فإنني لا أستبعد أن يمضي السودان نحو المعسكر المتّسق مع مرجعياته الفكرية والسياسية ولعل زيارة أسد الإسلام رجب طيب أردوغان الحالية للسودان سيكون لها ما بعدها فقد استبان الخيط الأبيض من الخيط الأسود.
إنني لأرجو من غندور التحرك العاجل لمخاطبة محكمة العدل الدولية لإبطال الاتفاق السعودي المصري الذي لم نجنِ منه غير الخُسران المبين، والذي جاء خصماً على سيادتنا الوطنية رغم كل ما قدمناه في قضية لا ناقة لنا فيها ولا جمل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق