الأحد، 22 نوفمبر 2015

تجديد العقوبات الأمريكية على السودان ..غرائب ومفارقات!

كعادتها ففي كل عام وفي شهر نوفمبر منذ أكثر من 18 عاماً وعلى نحو رويتي تقوم الادارة الامريكية بتجديد عقوباتها الاقتصادية الاحادية الجانب على السودان. ما أن يحل شهر نوفمبر حتى توضع ورقة تحمل ترويسة البيت الابيض مكتب عليها أسطراً موجزة تحوي عبارات بيروقراطية ليضع الرئيس امريكي توقعيه الشخصي اسفلها!
ولبساطة الاجراء و ديوانيته، فإن الامر -للمفارقات- لا يأخذ من الوقت أكثر من ثواني فيما يتسبب القرار وتتسبب هذه الثواني في تعقيدات تعاني منها قطاعات شعبية واسعة النطاق في السودان.
وعلى ذلك فإن الطريقة التي يتم عبرها تمرير القرار وتجديده بانتظام كل عام، ومع عدم اجراء اية مراجعة جدية قبل ذلك يستشف منها:
أولاً، ان قرار العقوبات وتجديدها تحول من مجرد وسيلة ضغط في وقت ما، لظروف ما الى عملية تكتيكية دائمة لا تخدم الاستراتيجية الأمريكية وبقدر ما يتم توظيفها لاسترضاء مجموعات وجهات عديدة داخل وخارج الولايات المتحدة مثل جماعات ضغط الصهيونية (اللوبي اليهودي الصهيوني)، ومثل الكتل السوداء المعروفة بمزايدتها العمياء حيال ازمة دارفور، والقوى المعارضة السودانية التي تستخدم واشنطن بعضها لأغراض خاصة خفية.
وعلى ذلك فإن واشنطن لا تتعامل في هذا الصدد من منطق موضوعي، ومن زاوية نظرتها بجدية لعلاقاتها بالخرطوم، وهو امر من الممكن ان يضع الادارة الامريكية في يوم ما في مأزق تضطر معه لاتخاذ قرار اضطراري ومفاجئ برفع هذه العقوبات.
ثانياً، ثبت لواشنطن نفسها -عملياً- ان العقوبات الاقتصادية من هذا النوع لا تخدم أي غرض  لها تود تحقيقه تجاه السودان، فمن جهة فإن العقوبات لم ترغم السودان على فعل شيء لا يريده هو وتريده واشنطن؛ ومن جهة ثانية فإن السودان استطاع ان (يتعيش) مع هذه العقوبات ويتأقلم معها لسنوات طويلة (قاربت العقدين من الزمان)!
ومن جهة ثالثة فإن واشنطن نفسها -للمفارقة- تضررت من جراء هذه العقوبات بدليل اضطرارها في أحيان كثيرة للقيام برفع جزئي لهذه العقوبات حين تعرضت لضغط من بعض الشركات الامريكية، وهو الامر الذي يثير التساؤل ما إذا كان صائباً منذ البداية فرض هذه العقوبات وتجديدها باستمرار كل عام، والتساؤل هذا من المؤكد انه يدور في أذهان صانعي القرار في واشنطن ولكنهم لا يملكون له الوقت الكافي للإجابة عليه.
ثالثاً، من الممكن في وقت ما ان تكتشف واشنطن ان هذه العقوبات نفسها تبدو عقبة أمام تعاملها الدبلوماسي العادي مع السودان. فعلي سبيل المثال فإن السودان الآن تتطور علاقاته مع حلفاء اقوياء ومهمين لواشنطن في المنطقة ويزداد تطور هذه العلاقات بإزدياد الضرورات السياسية الماثلة للمنطقة ومن المؤكد ان هذا التطور الجديد، يخدم في خاتمة المطاف مصالحاً أمريكية استراتيجية في المنطقة وبما يدفع واشنطن للاقتراب من السودان على الاقل لخدمة هذه المصالح وحينها ستجد ان هنالك (جدار سميك) بينها وبين السودان تصعب إزالته إلا من خلال تسوية الامر مع هذا البلد.
هذا من جهة, ومن جهة ثانية فإن طبيعة علاقة السودان مع الصين من جهة وعلاقة واشنطن هي الاخرى مع الصين من جهة أخرى، تفرض بالضرورة في يوم ما نقطة التقاء لا مفر منها، تجعل واشنطن في موقف لا مناص فيه من رفع هذه العقوبات!
على كل فإن الأمر في مجمله وكما رأينا يرتبط بمقتضيات السياسة والمصالح ذات الطبيعة الدوارة والمتقلبة، فقد رأينا على سبيل المثال فقط كيف اضطرت واشنطن لرفع العقوبات عن ايران على مضض، وكيف اضطرت لإعادة تحسين علاقاتها مع كوبا، أيضاً على مضض، ومن موقع أخاك مكرهاً لا بطل!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق