الأحد، 16 أغسطس 2015

مشروع الحوار الوطني ما بين التمويل الوطني والقرض الأجنبي!

ما من شك أن الدعوة الهادفة إلى نقل الحوار الوطني من الداخل إلى الخارج بوجود أطراف دولية و إقليمية هي في الواقع بمثابة إفراغ لمشروع الحوار الوطني من مضمونه، ليس ذلك فحسب ولكن من المؤكد أن الذين ينادون بهذه الدعوة -وفي مقدمتهم السيد الصادق المهدي- زعيم حزب الأمة القومي – هم يسعون بمثابرة عجيبة لإجهاض عملية الحوار و القضاء عليها ذلك إن من المهم هنا أن نشير إلى بوضح وصراحة إلى أن هنالك - من بين القوى المعارضة- من يتخوف غاية الخوف من نجاح عملية الحوار! كيف ذلك؟
إن إنعقاد الحوار الوطني وخروجه بأية مخرجات مهما كانت سهلة أو شاقة منعاه تخطي كافة عناصر الأزمة السودانية، وهذا الوضع بالنسبة لبعض القوى المعارضة لا يحقق لها أهدافها، فحتى لو تم حل الحكومة القائمة استناداً على مخرجات الحوار أو تمت الدعوة لعقد انتخابات عامة مبكرة ولو بعد 5 أعوام فإن هناك قوى معارضة لن تحقق شيئاً ولن تحرز أي نجاح في اية انتخابات قادمة ما لم يتم القضاء نهائياً على خصومهم في السلطة! تعلم العديد من القوى السياسية المعارضة أنها بلا قواعد و أن المؤتمر الوطني هو صاحب الصيت الأعلى سياسياً ويملك خبرة طويلة ومؤثرة وان هذا واحد من أكبر المتغيرات المهولة التي طالت الساحة السياسية السودانية مؤخراً، وأنه وضع غير قابل للمعالجة على المدى القريب بفعل عدم قيام القوى المعارضة بواجباتها الوطنية والمحافظة على قواعدها طوال مدة تتجاوز الربع قرن من الزمان.
هذه القوى لن يكون لديها خيار إلا بإسقاط نظام الحكم وإقامة نظام على انقاضه ولهذا فهي مدركة غاية الإدراك أن مائدة الحوار الوطني بالداخل لن تحقق لها ولو مثقال ذرة من أهدافها. سبيلها الوحيد إلى النجاح هو أن يتم نقل الحوار الى الخارج و إضفاء مسحة دولية عليه على غرار اتفاقية نيفاشا 2005 وجعل المجتمع الدولي ضامناً للاتفاق ولكن السؤال الذي يبرز بقوة هنا، ما هي المبررات هذه القوى لنقل الحوار إلى الخارج؟
أولاً، الرغبة الشديدة في الاستقواء بالأطراف الوسيطة للحصول على أكبر قدر من المكاسب السياسية للاستفادة منها في المرحلة المقبلة، ففي ظل وجود وسطاء -كما يظن هؤلاء- بالإمكان الضغط على الطرف الحاكم لإجباره على تقديم تنازلات لا تستطيع القوى المعارضة الحصول عليها في حوار داخلي عادي بوجود أطراف سودانية خالصة. والمؤسف هنا أن القوى المطالبة بهذا الأمر تقر وتعترف علمياً بضعفها وعجزها البائن عن أن تمثل قواعدها -إن وجدت- وأن تدفع برؤاها بقوة .
ثانياً، تود القوى المعارضة نتيجة لضعفها وقلة حيلتها نقل الحوار إلى الخارج واستجداء المجتمع الدولي لكي يدفع معه عملية الحوار لتحويلها من عملية حوار إلى تفاوض، و لا شك أن المجتمع الدولي سواء كان مدفوعاً بأهدافه الخاصة أو لأي إستراتيجية تخصه، مستعد لهذا الوضع لأنه يتيح له التدخل الصريح في الشأن السوداني ويتيح له تحقيق أجنداته الخاصة.
ثالثاً، بعض القوى المعارضة تريد -عبر عملية نقل الحوار إلى الخارج- إضعاف المؤتمر الوطني واستغلال القضايا العالقة بين الحكومة والمجتمع الدولية خاصة فيما يتعلق بالمحكمة الجنائية، أن تستثمر في  العلاقة المعقدة بين السودان والمجتمع الدولي للاستفادة من مآخذ المجتمع الدولي على الحكومة السودانية لاجترار عملية (مساومة تاريخية) كما يصفها ياسر عرمان. بمعنى أوضح فإن القوى المعارضة تراهن على أن يتحول منبر التفاوض مع قطاع الشمال في أديس أبابا إلى منبر المعارضة لمناقشة كل أزمات السودان وإجراء مساومة تاريخية.
بعض القوى المعارضة ربما تريد تكرار نموذج نيفاشا، وبعضها الآخر يريد أن يتم تكثيف الضغط على الحكومة السودانية لأقصى مدى. وهكذا، فإن نقل الحوار من الداخل إلى الخارج إنما هي محاولة (تكتيكية) تقوم بها بعض القوى السياسية والقوى المسلحة المغلوبة على أمرها لكي تجعل من أزماتها هي كقوى معارضة أزمة دولية تلفت نظر المجتمع الدولي، وهي محاولة بلا شك محكوم عليها بالفشل، إذ أن الموعد المحدد حالياً في العاشر من أكتوبر 2015 لانعقاد فعليات الحوار أصبح موعداً متاحاً للكافة ممن يودون المشاركة في الحوار ومعالجة أزمات هذا البلد ومن المؤكد أن الحوار الوطني في جوهره (كحوار وطني) قامت فكرته على تحاور السودانيين بأنفسهم بين بعضهم بضعاً، وهي قيمة وطنية خالصة ومطلوبة لذاتها لأنها على الأقل تضع أساساً متيناً للتفاهم الوطني بين الفرقاء السودانيين ومقدرتهم على حل مشاكلهم لوحدهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق