الأحد، 28 فبراير 2016

قرارات زيادة الأسعار.. قراءة واقعية عن قرب!

من المفاهيم السياسية الخاطئة التي ارتبطت في أذهان الكثير من الساسة في السودان أن قيام الحكومة بفرض زيادة على سعر سلعة أو خدمة -بغض النظر عن الأسباب والمبررات- جريمة لا تغتفر وتستوجب وقوع أعمال شغب وإسقاط للنظام.
هذا المفهوم للأسف الشديد ليس صحيحاً على إطلاقه ولسنا بصدد اجتراح المبررات هنا وهناك لأي حكومة كانت حين تقدم على زيادة سعر سلعة أو خدمة ما. الجانب الذي يهمنا هنا هو ضرورة النظر إلى مجمل الوضع الاقتصادي ومعطياته في التوقيت المعين وقراءة الواقع -ونكرر- الواقع الاقتصادي بقدر لو يسير من الموضوعية. فحين تقرر حكومة ما، زيادة سعر سلعة من السلع أو الخدمات فإن من المؤكد أن قراراً كهذا ليس مرتبطاً (بمزاج) أو هوى في النفس، هو بالتأكيد قرار اقتصادي مبني على أرقام.
وفي مثل ظروفنا الحالية في السودان فإن الواقع الاقتصادي معروف بكل ملابساته وتفاصيله حتى لرجل الشارع العادي البسيط عقوبات اقتصادية شديدة الوطأة منذ 19 عاماً لا تتيح أدنى مجال لإنتاج حقيقي يدر إيرادات مؤثرة.
المؤلم في هذه النقطة الهامة أن الكثير من الساسة المعارضين أو الناقمين يستهينون غاية الاستهانة بهذه العقوبات وبعضهم -للأسف الشديد- يعتقد أنها موجهة للحكومة! وبسذاجة شديدة يعتقدون أن إزاحة الحكومة وبمجرد حدوث ذلك، تلغى هذه العقوبات وينصلح الحال!
وأقرب دليل على خطل هذا الاعتقاد ما جري في العراق، حيث ظل سيف العقوبات مسلطاً حتى اضطرت واشنطن لمخالفة القانون الدولي واجتياح العراق واحتلاله في سابقة ظن العالم انه قد غادرها منذ أيام النازية!
الدليل الثاني الأكثر رجاحة أن الأمريكيين ومهما كانت نظرة البعض السطحية أو إعجابهم بذكائهم وقوتهم لا يمكن أن يكونوا بمثل هذا القدر من السطحية وإلغباء بحيث يفرضوا عقوبات اقتصادية الغرض منها معاقبة حكومة بلد ما! الاقتصاد ليس خاصاً بالحكومات، هو أمر من صميم حياة وواقع الشعوب.
من جانب ثاني -وفي ظل هذه الأوضاع- فإن هنالك حروباً على الأطراف تجري منذ سنوات طويلة والحروب ليست مجرد مناوشات أو مواجهات من حين لآخر كما قد يتبادر إلى ذهن البعض، مثل هذه الحروب تستلزم صرف يومي ثقيل على الموازنة، لأن تحقق الأمن واحداً من أهم الأولويات الإستراتيجية  لأي دولة. ليس بوسع أي دولة أن تدير الأمور في ظل وجود اضطرابات أمنية. والكل يعرف أن حملة السلاح هم الذي يرفضون التفاوض بدعم واضح من قوى إقليمية ودولية معروفة.
من جانب ثالث فإن الغلاء -بصفة عامة- ظاهرة دولية عامة سواء لأسباب تتصل بشح الموارد أو لأسباب عائدة إلى الطاقة أو لأسباب تتعلق بالاضطرابات في العديد من مناطق العالم. إذا أمعنا النظر في كل هذه العوامل مجتمعة ومنفردة فلا شك أن الاضطرار إلى فرض زيادات نتيجة محتملة وهي بهذه المثابة ليست خطيئة ولا تعني نهاية الدنيا ولا نعني هنا أن الحكومة محقة في كل زيادة، ولكن بالتأكيد لها أسبابها الموضوعية، وبدلاً من الزعم أن الزيادة مقصودة، أو أنها تستهدف الإضرار بالناس فإن من الضروري قراءة هذه المعطيات وطرح بدائل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق