الثلاثاء، 19 يناير 2016

الخرطوم وجوبا والنفط.. مآلات منتظرة

ثمة نذر تباعد في المواقف من جديد تلوح في سمار السودان والدولة الوليدة جنوب السودان، في أعقاب رفض الخرطوم طلباً من جوبا بالتراجع عن اتفاقية نفطية موقعة بين الجانبين، وذلك إثر تراجع أسعار النفط الذي بلغ (25) دولارا للبرميل، وهو ذات الرقم المتفق عليه كرسم عبور من آبار الجنوب إلى ميناء بورتسودان بعد عمليات المعالجة التي يتحمل تشغيلها السودان في إتفاقية مهرها الطرفان بأديس أبابا في العام 2012م، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول إمكانية توصل الجانبين إلى نقطة تلاق تؤدي إلى عدم تأثير هذا الملف على الاتفاقيات الأخرى وعلى سير علاقات التعاون بين البلدين الجارين، وحول مستقبل العلاقة ككل في ظل وجود ملفات ملحة وغير متفق حولها مثل النفط.
الجنوب على لسان وزير خارجية برنابا بنجامين أعرب عن أمله، أو بالأحرى طالب السودان بمراجعة رسوم العبور والمعالجة بعد تراجع أسعار النفط. قبل الإعلان عن سعره الأخير عالمياً، وعزا بنجامين الطلب لانخفاض الأسعار العالمية للنفط وقال : "الأسعار انخفضت وليست كالسابق فلابد أن نرى كيف نتشارك في البترول وإذا افترضنا أن سعر البترول وصول لـ(20) دولاراً حينها لن يكون هناك شئ ليتم اقتسامه".
غير أن الخرطوم قطعت بعدم التراجع عن اتفاقية النفط، وقال بد الدين محمود وزير المالية في حوار مع صحيفة (الراية) القطرية، أن السودان متمسك بالاتفاقية الخاصة برسوم عبور نفط دولة جنوب السودان، وقطع بعدم وجود أي تعديل أو تفاوض حول الاتفاقية المبرمة بين البلدين في ذات الخصوص. وأوضح الوزير، أن سعر نقل بترول دولة جنوب السودان مقسم على جزئين، وهو (9,5) دولارات رسوم عبور، و(15) دولاراً ترتيبات مالية انتقالية، والإجمالي (24,5) دولاراً لكل برميل. وأضاف "ودولة الجنوب تنتج 160 ألف برميل يومياً".
وقال الوزير إن الرسم الخاص بالبترول مع جنوب السودان محكوم بموجب اتفاقية وقعت في سبتمبر 2013م، ولم يتم تعديلها أو التفاوض حولها، ولفت على أن دولة الجنوب واجهتها مشكلة إنتاج النفط، والتأثير الأكبر جاء بسبب تراجع أسعار البترول عالمياً، مما سيحدث فجوة في موازنتها. وكان عوض عبد الفتاح مهندس اتفاقية النفط مع الجنوب سبق وزير المالية، واستبعد في تصريح سابق، إمكانية فتح الاتفاق من جديد ووصفه بالـ"مكرب جداً".
ويرى كثير من المراقبين أنه يمكن حدوث اتفاق بين الجانبين من خلال جلوس الطرفين مع بعضهما، خاصة وان هذه النسبة حددت عندما كانت أسعار النفط فوق الـ(110)  دولارات للبرميل، ويشيرون إلى أن الاتفاقية الجارية ترتبت عقب انفصال الجنوب ونصت على إجراءات انتقالية يتم بموجبها تعويض السودان عن فقدانه لموارد البترول المنتج في الجنوب، ونص الاتفاق على تعويضات تستكمل خلال فترة (3) سنوات، واتفاق تجاري يستمر بعد ذلك في إطار مقابلة تكاليف معالجة ونقل البترول المنتج في الجنوب إلى موانئ التصدير عبر البحر الأحمر، ويشيرون إلى أن أي اتفاق على هذا النحو يمكن مراجعته إذا حدث شئ ما يغير في معطيات الاتفاق بصورة أساسية.
لكن يرى البعض أن الحديث الآن عن المطالبة بالتخفيض إنما يأتي استباقاً لتفاوض لاحق حول عبور النفط والحقوق والتعويضات وتحدث المهندس إسحاق بشير وزير الدولة بوزارة النفط الأسبق، في وقت سابق عن أن أسعار النفط عندما كانت في حدود (110) دولاراً للبرميل تم الاتفاق على هذه النسبة من التعويض، لكن مع تراجع أسعار النفط إلى أكثر من (50%) من السعر السابق بدأت المطالبات بتعديل رسم العبور والمعالجة، ونوه إلى أن حكومة الجنوب في وقتها كانت قد أصرت على هذه النسبة وتم الاتفاق على ذلك.
وقال إسحاق أن اتفاق التعاون النفطي بين السودان وجنوب السودان الموقع في سبتمبر من العام 2012م بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا حدد أسس التعاون النفطي بين البلدين بالنص على تعويض السودان عن فقد البترول جراء الإنفصال بدفع (3) مليارات دولار على مدى ثلاث سنوات، بجانب دفع دولة جنوب السودان رسوم عبور نفطها للأراضي السودانية بأرقام محددة للنفط المنتج في الوحدة وأعالي النيل والذي يبلغ في مجمله نحو (25) دولاراً للبرميل، بينما تقدم حكومة السودان خدمات المناولة في الميناء والتأمين والسماح باستغلال أنابيب النفط السودانية في تصدير نفط الجنوب.
وقال إسحاق إن مطالبة دولة جنوب السودان بمراجعة وتخفيض رسوم عبور النفط عبر الأراضي السودانية بحجة انخفاض الأسعار عالمياً يتعارض مع رفضها لمقترح السودان بتخصيص نسبة من الإنتاج كرسوم عبور بدلاً من تحديد رقم لرسوم عبور البرميل الواحد من النفط، ولكن حكومة الجنوب رفضت مقترح السودان وأصرت على تحديد رقم على رسوم عبور البرميل النفطي وتم الاتفاق على رقم، بيد أنه توقع إمكانية جلوس الطرفين لتدارك الخسائر، وقال : اعتقد أن من مصلحة البلدين التواصل على حل وسط لضمان استمرار إنتاج نفط الجنوب وتصديره عبر الأراضي السودانية لمصلحة اقتصاد البلدين، ونضمن زيادة إنتاج نفط الجنوب وصادراته وزيادة عائدات السودان من جراء العبور عبر الاتفاق على سقوفات محددة لأسعار النفط بين النسبة من الإنتاج والأسعار العالمية".
الحل الوسطى والمنطقي هو المخرج على نحو ما أكده المحلل السياسي البروفيسور حسن مكي، الذي شدد على ضرورة جلوس الطرفين للوصول إلى حل منطقي ومرض لكليهما. ووصف مكي في حديثه لـ(الرأي العام) أمس، أن تصريحات وزير المالية يرفض طلب الجنوب بتخفيض رسوم النفط بالتعجيزي، وقال : واضح جداً أن الجهات العليا لم تجلس لمناقشة هذا الأمر، لأنه لا يمكن لدولة الجنوب دفع (3) دولارات زائد قيمة البرميل (25) دولاراً للشمال، وتساءل ماذا سيستفيد الجنوب، وأشار إلى أن الحكومة ليس لديها خيار سواء التراجع عن رفضها لطلب الجنوب، غير انه يرى أن الحكومة بإمكانها أن تجدول هذه الرسوم كديون على الجنوب.
ومن جانبه، وصف المحلل السياسي د. عمر عبد العزيز أستاذ العلوم السياسية بجامعة بحري، رفض الحكومة لطلب حكومة الجنوب بتخفيض رسوم عبور النفط المنطقي، وقال ان السودان قدم تنازلاً كبيراً فيما يتعلق بالرسوم في اتفاقية النفط. وأضاف : إذا أراد الجنوب تصدير نفطه عليه القبول بهذه الرسوم.وتساءل : هل كان الجنوب سيوافق على رفع الرسوم حال ارتفاع أسعار النفط؟ وأردف: وكيف يطالب الجنوب السودان بالتراجع عن الاتفاق في الوقت الذي يستضيف فيه الحركات المسلحة: وزاد (الجنوب ما قدم السبت عشان يلقى الأحد).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق