الثلاثاء، 15 نوفمبر 2016

لماذا لجأت الخرطوم لهذه العملية الجراحية المؤلمة فى إقتصادها؟

مع كل الانتقادات الحادة التى وجهت الى الحكومة السودانية بشأن الاجراءات الاقتصادية الصعبة التى اتخذتها مؤخراً والمتمثلة -إجمالاً- فى تحرير سعر صرف الجنيه السوداني ورفع الدعم جزئياً عن بعض السلع، مع كل الانتقادات التى واجهتها الحكومة
إلا ان احداً لم يجرؤ على القول إنها اجراءات خاطئة!
اقصى ما قاله أشد خصومها خصومة، انها لم تتحر التوقيت المناسب، وما بين من قائل انها كان يجب ان تنتظر العالم المقبل وتشكيل الحكومة الوفاقية الجديدة، ومن قائل انها كان يجب ان تأتي ضمن سياق موازنة العام المقبل 2017 مجازة من البرلمان، وما بين قائل إنها لم تراعي جانب تقليل الانفاق الحكومي أسوة بالمواطنين العاديين!
 جل النقد اتجه باتجاه جانبي بأكثر من الجانب الاساسي المتمثل فى الاجراءات نفسها. و هذا يعني دون شك ان هذه الاجراءات على اقل تقدير (اجراءات واقعية) لا مناص من اللجؤ اليها. ربما يتفق الناس أو يختلفوا فى توقيتها او غطائها القانوني و مدى ملائمة الظروف و المناخ العام، ولكن من الصعب ان يختلفوا حول طبيعة الاجراءات نفسها.
 واذا جاز لنا ان ننظر فى التوقيت الذي قد يراه البعض ليس مواتياً بالنظر الى ان العام المالي للدولة فى خواتيمه والإعداد جار لموازنة جديدة او بالنظر الى ان هنالك حكومة وفاق وطني مرتقبة فى طور التخلق و التشكل و كان من المناسب انتظارها وترك الامر برمته لها فإن عنصر التوقيت وإن كان حاسماً فى الشأن السياسي عموماً؛ فإن الامر يختلف بالطبع فى الشأن الاقتصادي، اذ المعلوم ان الاقتصاد لا ينتظر بل ربما تتكفل ساعة زمن واحدة بإحداث عملية تدمير اقتصادي واسعة النطاق اذا تم الركون للبحث عن توقيت، أو ربما يحدث متغير عالمي مفاجئ -وما أكثر المتغيرات الاقتصادية العالمية في عصرنا الحالي- يطيح بكل شيء بحيث تصبح الاجراءات فى حاجة الى مضاعفة واستحداث اجراءات اخرى اشد وأكثر أثراً!
 إذن عنصر التوقيت لن يكون موضوعياً طالما كنا حيال عملية حسابية معقدة وماثلة على ارض الواقع. أما أولئك الذين طالبوا و بإلحاح بترك الامر للحكومة الوفاقية المرتقية فإنهم فى الواقع يحاولون فقط (ترحيل) الازمة دون ان يكون لهذا الترحيل اية ميزة؛ بل قد تكون له مضاراً جمة تماماً كما فعلت الحكومة السودانية حين شرعت فى تطبيق سياسة التحرير الاقتصادي منذ التسعينات ولكن أبقت الدعم على بعض السلع، فأفضى ذلك الى متناقضات وتشوهات فى جسم الاقتصاد لم يكن من مفر للخلص منها، يضاف الى ذلك انه بتعجيل تطبيق هذه الاجراءات قبل تكوين الحكومة الجديدة -يناير 2017- يزيل عبء كبير عن الحكومة المرتقبة ويقلل من حجم الضغط عليها.
 وعلى ذلك فإن هذه الاجراءات و كما قلنا و مهما بدت صعبة وقاسية هي فى جوهرها بمثابة استكمال حتمي لسياسية التحرير الاقتصادي التى تجاوز عمرها العقدين من الزمان. وليس من الملائم –منطقياً وموضوعياً- انتقاد اجراءات اقتصادية كان من المفروض ان ترى النور منذ ان بدأت سياسة التحرير الاقتصادي، إذ ان الجميع يعلم ان سياسية اقتصاد السوق تتطلب التحلي بواقعية علمية فى ما يلي قيمة العملة مقابل العملات الاجنبية وان تتحكم فرضيتيّ العرض والطلب فى اسعار السلع والخدمات.
 مجمل القول ان الحكومة السودانية لم تأت بشيء جديد، فسواء كانت تمضي فى مواصلة سياسية التحرير او كانت تستعجل انفاذ مخرجات الحوار الوطني فى الشق الاقتصادي -التى اقرت  بهذه الاجراءات بوضوح- فهي على اية حال فعلت!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق